بقلم - الاعلامى محمد صلاح
القراءة الهادئة لما بين سطور الأحداث التي وقعت في مصر قبل أيام من الاستفتاء على مسودة الدستور وأثناء عملية الاقتراع وردود الفعل على نتائج المرحلة الأولى من جانب الموالاة والمعارضة تثبت أن النفق الذي دخلت فيه مصر نتيجة للصراع بين الإسلاميين عموماً ومعارضيهم بكل أطيافهم مازال ممتداً، وأن المصريين سيعيشون فيه لفترة دون أن يروا نقطة ضوء لن تظهر أبداً إلا إذا أقدم فريق من الفريقين المتصارعين على إجراء تغيير استراتيجي ونوعي ليقترب من الفريق الآخر وليس ليبعد عنه أكثر. عموماً المقدمات لا تشير إلى نهايات سعيدة، وإذا كان بعضهم تمنى أن تكون مسألة الدستور بداية لمصالحة وطنية تتحمل فيها كل الأطراف مسؤوليتها فإن المناخ الآن يشير إلى أن أزمة الدستور ربما تكون بداية لنوع جديد من الصراع.
والحقيقة أنه لا فرق كبير بين الأجواء التي جرت فيها المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور الجديد وبين ما كان يحدث في عهد أنظمة ما قبل الثورة، سواء بالنسبة لرغبة السلطة والحاكم في الفوز بـ»نعم» كبيرة، أو في الترتيبات المهترئة والأماكن «المخجلة» والظروف «المذرية» التي جرت فيها عملية الاقتراع وواجهت الحريصين على أداء واجبهم، أو ممارسة حقهم بعد ثورة كانت أول مطالبها تحقيق الحرية. أما الأساليب التي اعتمدت عليها السلطة أو الحزب الحكام أو مؤيدو السلطة والحزب لتسهيل مهمة «نعم» والحؤول دون «لا» فتكاد تتطابق مع تلك التي اعتادها المصريون في عهود سابقة، بدءاً من وضع المؤيدين ورصهم بعد حشدهم في الصفوف الأولى ليتحركوا ببطء حتى يمر الوقت وتغلق قبل أن يتمكن كل المعارضين من حقهم في الاقتراع، ومروراً بأساليب التزوير التقليدية التي صارت تراثاً مصرياً كالورقة الدوارة أو ملء بطاقات الاقتراع بنعم من موظفي اللجان، ونهاية بوجود «كومبارس» تولوا القيام بأدوار القضاة في بعض اللجان. حتى أن أحدهم فر هارباً عندما حاصره الناخبون وضغطوا كي يبرز ما يثبت أنه قاضٍ!
وبطبيعة الحال فإن الاهتراء وسوء التنظيم والإهمال العمدي أو حتى نتيجة فقر الإمكانات كلها عوامل تسهل التلاعب والعبث والتزوير، كما أن المبررات الجاهزة والردود «المعلبة» تزيد اليأس من إمكان الإصلاح أو التغيير فيكون بدء فرز بطاقات الاقتراع قبل موعد انتهاء عملية التصويت بأربع ساعات مجرد خطأ يمكن تجاوزه والتغاضي عنه رغم آلاف المقترعين الغاضبين خارج اللجان! أهم من كل ذلك أن عملية الاستفتاء، بغض النظر عن نتائجها، أظهرت أن السلطة لا تحظى بالإجماع وأن رغباتها لا تلقى كل القبول، وأن أحاديث بعض رموز التيار الإسلامي عن قدرة الفلول على تحريك الأحداث، أو قلة أعداد المعارضين، أو المؤامرات الداخلية والخارجية على الثورة، التي يحميها نظام الحكم، تحتاج إلى مراجعة.
نعم رسخ الاستفتاء الانقسام بين المصريين والظروف التي جرى فيها دعمت الاعتقاد بأن الرئيس محمد مرسي وحزبه «الحرية والعدالة» وجماعته «الإخوان المسلمين» وأنصاره من السلفيين ماضون في الطريق الذي اختاروه لأنفسهم بغض النظر عن ردود فعل القوى الأخرى المكونة للمعارضة، لكن ذلك الطريق لن يكون ممهداً بل ممتلئاً بالحفر والعقبات. وردود فعل الموالاة على ما حدث في الاستفتاء لا تشير حتى الآن إلى حرص من جبهة «الإخوان» ليمارس الرئيس السلطة في مناخ طبيعي ويمارس الشعب حياته في ظروف آدمية ويتنافس أهل السياسة على الحكم بصورة طبيعية.
أثبتت نتائج الاستفتاء رغم التجاوزات الحاجة بشدة إلى تغيير استراتيجي في طريقة الحكم وطبيعته يكفل للرئيس ونظام حكمه أجواء مغايرة لتلك التي حكم فيها في شهوره الستة الماضية، وإذا كانت الحالة المصرية قبل الاستفتاء شهدت اقتتالاً أهلياً عند قصر الاتحادية فإن ذلك العنف البدني كان مرحلة أعقبت عنفاً لفظياً وتراشقات بين السياسيين بل والعامة من الطرفين. وإذا ما سار الجميع وفقاً لـ «كتالوج» معروف في التاريخ فإن المخاوف من الدخول في مرحلة «الاغتيالات السياسية» تصبح جدية. ليس الأمر سجالاً سينتهي يوماً بهزيمة طرف وانتصار آخر أو اختفاء منافس وبقاء الآخر حتى لو امتلك السلطة، فإما التعايش بين الكل حتى في ظل المنافسة وإلا فالهزيمة ستلحق بالجميع.