الاعلامى محمد صلاح |
بقلم الاعلامى : محمد صلاح
بعد مرور نحو شهر على إعلان فوزه بالمقعد الرئاسي في
مصر، يبدو الرئيس محمد مرسي مشغولاً بالمضي في مسارات تمكنه نيل باقي صلاحياته. وفي
سبيله الى ذلك دخل في صراعات متتالية مع القضاء انتهت في غير مصلحته، لكن يبدو أن
الرئيس مستمر على نهجه من دون ملل أو كلل مدعوماً بحركة في الشارع تسانده وحشود
يمكن أن تجتمع في التحرير أو أي ميدان آخر حين يريد. إذ يعتقد أنه سيصدر إعلاناً
دستورياً مكملاً جديداً ينهي صلاحيات العسكر ويمنح الرئيس، أي مرسي نفسه، صلاحية
التشريع حتى تتم انتخابات لمجلس شعب جديد. لكن بعيداً عن التفاصيل القانونية
والدستورية المتتشابكة والمربكة وفتاوى فقهاء الدستور والقانون التي بقدر ما سببت
تضارباً في المفاهيم لدى الناس فإنها ورطت أيضاً الرئيس في الدخول في معارك
قانونية ودستورية خاسرة وكان على مستشاريه أن ينصحوه بألا ينجذب لها، فإن مرسي لم
يفعّل حتى الآن ولم يستخدم الصلاحيات التي هي بين أياديه وما أكثرها ما يثير
الاندهاش ويدعو إلى التساؤل حول أسباب إصراره على نيل حصص إضافية من الصلاحيات في
حين أنه لم يستغل أصلاً ما هو متاح له من صلاحيات بعد! خاض مرسي الانتخابات الرئاسية
ووعد المصريين بتنفيذ «مشروع النهضة» لتحويل مصر إلى دولة حديثة يتمتع المواطن
فيها بكل مزايا المواطنة والعيش الكريم، على أن تشهد الايام المئة الأولى من حكمه
نهاية لمعضلات ومشاكل حياتية يعانيها المصريون يومياً كانتشار القمامة وسوء أحوال
رغيف الخبز وتفشي أزمات البنزين والمحروقات وتدني الخدمات والعذاب الذي يعانيه
الناس في الشوارع جراء أزمات المرور. واللافت أن محبي مرسي وداعميه يذكرونه عبر
مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأن الوقت يمضي وأن أسابيع قد مرت من دون
أن يستخدم صلاحياته ويشكل حكومة أو أن يلمح المصريون أي تغيير في أمورهم المعيشية.
المؤكد أن الرئيس الذي انشغل لفترة في حضور حفلات تخريج طلاب الكليات العسكرية
وإدارة الصراع ضد المجلس العسكري والمغامرات القانونية والدستورية من أجل مزيد من
الصلاحيات، أصبح عليه أن يتفرغ لانجاز برنامج الايام المئة، ناهيك عن برنامج
النهضة الذي يفترض أن ينجز في السنوات الأربع! لم تقابل دعوة مرسي المواطنين
للتبرع، والتي أطلقها قبل أيام، قبولاً بين الناس. فهم ليسوا في أوضاع تسمح لهم
بقبول دعوة كتلك من رئيس وعدهم بـ «النهضة»، خصوصاً وهم يرون الرئيس وقد انتشرت
مشاهد أدائه صلاة الفجر والجمعة والتراويح، كما يرونه أيضاً منشغل بالبحث عن مزيد
من صلاحيات ثم يأتيهم ويدعوهم للتبرع لحل المشاكل! إذ أنهم لم ينتخبوا اماما لمسجد
وإنما رئيسا يدير أمور البلاد ويعتزون به إذا كان مصلياً أومتدينا أو مؤدياً جيداً
لمهام الرئيس ويستاءون منه وربما يثورون عليه إذا كان متديناً ويكثر من الصلاة لكن
معيشتهم في عهده كما الجحيم. كان البعض يعتقد أن نجاح الثورة وتنحي النظام معناه
وقف حملات التسول أو التبرع حتى ولو لمصلحة الثورة، لتستعيد الدولة هيبتها
والمواطن كرامته. فمثلاً توقع المتفائلون عند نجاح الثورة المصرية يوم التنحي أن
يأتي شهر رمضان المبارك ويجلس الناس بعد الإفطار أمام أجهزة التلفاز يمضوا أوقاتاً
طويلة ويطالعون إعلانات تلفزيونية بين فقرات البرامج والمسلسلات. فكثرة الإعلانات
تفسر على أن حال الاقتصاد في ازدهار وأن حركة البيع والشراء تجري في سلاسة وسرعة وأن
السلع متوافرة في الأسواق ولدى الناس أموالاً وعليهم أن يختاروا الأفضل سعراً
وجودة ليلبوا حاجاتهم. لكن اللافت أن غالبية الإعلانات الرمضانية تحث الناس على
التبرع! صحيح أن هناك إعلانات للسيارات والهواتف النقالة وأكياس البطاطس والمياه
الغازية وبعض السلع الاستهلاكية الأخرى إلا أن إعلانات التبرعات كانت الغالبة،
بدءاً من التبرع لتأسيس الجامعات ودور العلم «لأن مصر لن تتقدم من دون التعليم»،
مروراً بمستشفيات علاج السرطان والقلب والكلى والكبد، ونهاية بمؤسسات رعاية
اليتامى ومشاريع كفالة اليتيم والتبرع بالملابس المستعملة لمصلحة الفقراء! باختصار
الدولة لا زالت عاجزة عن أداء دورها في رعاية أحوال المواطنين وتوفير سبل العمل
والعلاج والعيش الكريم، فلجأت المؤسسات الأهلية إلى تسول التبرعات من المواطنين
القادرين و»ربما غير القادرين» لتلبي حاجة الفقراء والمحتاجين والمرضى والفقراء
والجوعى. يراقب الشعب «معركة الصلاحيات» لكنه مهتم أكثر بأن تتوقف دعوته الى
التبرع أو... التبرع من أجله.